قرية الجن «المثيله» في السعودية (هذا المقال لا ينصح به لذوي القلوب الظعيفة)

قرية الجن «المثيله» في السعودية

تسمع عن قرية «مسكونة» بالجن (نحن في القرن الحادي والعشرين الميلادي). اسمها «أم غريب». تقع قرب قرية اليمامة في محافظة الخرج.
للوهلة الأولى ينتابك شعور بالخوف، حين تفكر في الذهاب إليها وحيداً. «أهلها هجروها، بسبب الجن. تركوا منازلهم خاوية. يعرف حكايتها كل من في الخرج، وقليل من سكان الرياض سمعوا عنها».
مرة أخرى تفكر في الذهاب، تتردد. كيف ستصل إليها؟ وإذا بِت فيها ليلتك، هل يؤذيك واحد من الجن الذين ملأت أساطيرهم وحكاياتهم المكان وما جاوره؟ هل فعلاً هجرَ القريةَ أهلُها، لأن الجن يسكنها؟ وإذا لم يكن ذلك صحيحاً، فلمَ هجروها إذاً؟ وما نوع الأذى الذي يسببه «جني»؟...
تقفز كل هذه الأسئلة وغيرها دفعة واحدة إلى ذهنك. لكنك لن تتيقن من إجابة أي منها، قبل أن تقضي على الأقل نصف يوم (من الثامنة مساءً، إلى الثامنة صباحاً) في المنطقة. تدخل القرية المهجورة بعد منتصف الليل، على رغم استهجان سكان القرية المجاورة واستغرابهم. «تبحثون عن الجن؟!»، جملة تخرج مع نظرة خوف وتساؤل، يتبعها تجاهل في معظم الأحيان!
تتجول في بيوتها، مع الزميل المصور سلطان الفهد، عله يلتقط صورة عفريت أو جني هنا أو هناك، ولعلك تُجري مقابلة صحافية مع أحدهم. الأمر ليس مزحة، فالمكان مخيف وموحش، والرعب والخوف موجودان في كل زوايا القرية وألوانها.
«سمعت أصواتاً في الليل، مصدرها هذه البيوت الشعبية. والنخل في هذه القرية، يتحرك»! هكذا حكايات كفيلة برمي الرعب في قلوب الشجعان. المخيلة تصنع هذا الرعب، فكل قصص الجن وحكاياته التي سمعتها وأنت صغير، تحضر بأسرع من البرق، وتتجسد في رأسك.
لم نَخف من شيءٍ مقدار خوفنا من المجهول الذي تصنعه مخيلتنا. ولا شيء يُرعبنا كما يفعل الوسواس، فحضور المجهول «متوقع» في كل لحظة، وتوقع حضوره، خوف في حد ذاته؟
الخوف لن يختلف حين تعرف أن اسم القرية «المثيله» وليس «أم غريب». ما الفرق، حتى لو كانت «أم الجنون»؟
بالتأكيد ربما زاد هذا الخوف، في حال سمعت جملةً مثل: «المَزَارِع التي تحوط القرية، مسكونة بالجن أيضاً»! لكن، كل ذلك لم يمنع من افتراشنا الأرض وشرب القهوة والشاي داخل القرية المهجورة، وانتظار المجهول من بعد منتصف الليل إلى الرابعة صباحاً....

< دخلنا محافظة الخرج، ووصلنا إلى قرية اليمامة، بحسب الوصف. الساعة الآن: العاشرة ليلاً. تجولنا في اليمامة بحثاً عمن يعرف بعض حكايات «أم غريب»، وما يدور فيها. الإشارة الضوئية بدت المكان الأفضل كي تستفسر، تقف عندها، تفتح زجاج السيارة، تسأل: «هل تعرف قرية أم غريب؟»، الرد واحد لا يختلف: «لا أعرفها... لم أسمع بها من قبل... أين تقع؟!».
تستدرك: «قريةٌ هجرَها أهلُها، بسبب الجن... نبحث عن قرية يسكنها الجن». هذه الجمل، بدت أكثر فاعلية وتأثيراً. «تدوّرون عن الجن!»، يقول شاب بلهجته المحلية، ويتبع جملته تلك بضحكة، ثم نظرة اخترقتنا، قبل أن يرفع زجاج سيارته، معلناً تجاهلنا.
الشاب العشريني تجاوب معنا على الأقل، بجملته وضحكته، لكن رجلاً مسناً حمل كثيراً من الحطب في «حوض» سيارته «الونيت»، انطلق بسيارته متجاهلاً الإشارة الضوئية أيضاً، ما ان سمع أسئلتنا، تحديداً: «هل تعرف قرية يسكنها الجن، قريبة من هنا؟».
الساعة تشير إلى منتصف الليل. لم يهتم أحد بكلامنا أو أسئلتنا، على رغم أن معظم السكان بدوا بشوشين ومرحبين، خصوصاً حين يعرفون أننا زوار، فإن هذا الترحيب يتحول بسرعة إلى استغراب وتجاهل، كلما وصل الأمر إلى الجن.
شبان يقفون عند محطة بنزين، لم يستغربوا أبداً، ربما لم يرغبوا في أن يبدوا استغرابهم. أكبرهم سناً يرد بثقة: «لم نسمع عن قرية اسمها أم غريب، لكن إن كنتم تبحثون عن الجن، فمزارع اليمامة كلها مسكونة بهم. وبين المزارع ستجدون بيوتاً طينية مليئة بهم أيضاً». يشرح لنا الشاب بعدما نزل من سيارته الجيب، كيف نصل إلى المزارع.

تيه في مزارع الجن
انطلقنا بين تلك المزارع. الطريق معبد. لكن، الطرق بدت تشبه المتاهة. ساعة من الوقت استغرقَنا، التنقل في التيه. المفارق كثيرة. والمزارع تشبه بعضها. سلطان لم يضع وقتاً، كلما أعجبه منظر طلب إيقاف السيارة كي يلتقط صوراً، كما أنه حاول جاهداً طرق أبواب بعض المزارع علنا نجد من يرشدنا إلى «أم غريب»، لكن من دون جدوى إذ لم يجبنا أحد.
لم ننس تضمين الأبواب، طالما نحن داخل السيارة. إضافة إلى أنني كنت أراقب المكان في الوقت الذي كان فيه الفهد يلتقط صوراً. بعض السيارات كانت تغير طريقها أو تعود أدراجها، حين يلمح أصحابها ضوء سيارتنا من بعيد. ربما كان عدد تلك السيارات أربع، إضافة إلى سيارة أمن، انعطفت هي الأخرى من دون أن يسألنا من فيها عن سبب وجودنا والتقاطنا الصور.
رجل الأمن لم يبد استغرابه هو الآخر، بعد أن أوقفناه، لكن بطاقتينا الصحافيتين حلتا الموضوع. «لم أسمع بقرية بهذا الاسم من قبل، لكنني أظن أن الشديدة معروفة بذلك»، يقول وينصحنا بعدم الاقتراب من الشديدة، كي لا نثير المشكلات مع أهلها، أو من يسكن بالقرب منها.
الأسئلة نفسها، وجهناها إلى شابين، بعد خروجنا من تيه المزارع. «تبغون سِكن وجن؟» يسأل الشاب بينما ينظر إلى زميله، ضاحكاً بطريقة هستيرية. يحاول أن يتأكد مرة أخرى: «هل تبحثون عن السكن؟ تريدون مناطق مسكونةً بالجن؟»، الرد بالإيجاب، ترك لصديقه الذي بدا أكثر خبرة بخبايا المنطقة، مجالاً كي يشير إلى شارع ضيق قريب منا، ويقول: «إذا دخلتم من هناك، ستجدون بيوتاً طينية على يمينكم وشمالكم، كلها مهجورة ومسكونة. واسألوا عن قرية المثيله أيضاً»، كان أكثر جدية من زميله، الذي لا يزال يضحك، قبل أن يصرخ بصوت عالٍ وبلهجة محلية بحتة، وهما يتحركان بسيارتهما: «شيلقى... اللي يدخلها يضيع ما ينلقى»!

حين تسمع أصواتاً...
محمد آل مبارك (22 عاماً)، شاب من أهل اليمامة، «تقاعد من الدراسة في المرحلة الثانوية»، بحسب قوله. محمد الذي يسكن قريباً من المثيله، تجاهلنا في بداية الأمر، حين حاولت إيقافه بينما كان سلطان يلتقط صوراً لأحد البيوت المهجورة. وصادف أن مر بنا محمد مرة ثانية عند بيوت مهجورة أخرى. هذه المرة، قرر أن يوقف سيارته، لكن بعيداً منا، ربما خوفاً أو حذراً.
الشاب - محمد - اقتنع بمشروعنا الصحافي، وقرر أن يرافقنا - كل في سيارته على حدة -ويرشدنا إلى البيوت المهجورة، وإلى «المثيله، قرية الجن التي يخشاها أهل الخرج».
كلما انتقلنا من منطقة إلى أخرى، كان محمد يحكي لنا حكاية: «هذا النخل يتحرك... لا أحد يقترب من هذه المنطقة لأن جنياً كان يظهر ويشير بيده... دفعوا لرجال كثر عشرات الألوف كي يدخلوا هذه المنازل أو يلمسوا هذا النخل، لكن أحداً لم يقبل...». الحكايات والأساطير التي يحفظها محمد، ويتناقلها أهل المنطقة، تحتاج إلى أكثر من صفحة كي تروى.
«مو انتم.. تدورون عالجن... ادخلوا هذي البيوت الشعبية مليانة جنون»، يقول محمد مازحاً، بعدما نزلنا من سيارتينا. البيت الذي أمامنا يقع على طرف القرية (على شارع معبد). بدا في حال جيدة، ومظلماً من الداخل. سألناه: «هل تملك كشافاً ضوئياً». نفى برأسه، وأضاف إلى حكاياته: «أسمع أصواتاً في الليل حين أمر من هنا. مصدرها هذه البيوت»!
كلامه هذا كفيل بإدخال الرعب في قلوبنا. هل كان يقصد ذلك؟ ظل ينظر إلينا ونحن نهم بالدخول. بدأ سلطان باقتناص الصور. ضوء السيارة يشعرنا بالأمان إلى حد ما. وسط البيت كان مكشوفاً، والقمر المكتمل يساعدنا على التحرك. تدخل غرفة وتخرج إلى الأخرى. الغبار كون تلالاً تسهل ملاحظتها في أطراف الغرف.
دقائق، ويلحق بنا محمد إلى البيت «المسكون». «لم أدخل أياً من هذه البيوت طوال حياتي، على رغم أنني أسكن بالقرب منها»، يقول، ويجزم أن أهل «السعودية» (الخرج، إذ يطلقون عليها السعودية والسيح أحياناً) يندهشون حين يعرفون أنك تسكن هنا بالقرب من هذه البيوت المسكونة. يضيف: «يعتبرون فكرة النوم وفي ذاكرتك شيئاً من صُوَر هذه القرية، والتجول في الليل متنقلاً من منزلك إلى منزل قريب أو صديق، أمر مريب. هم يتساءلون: كيف نسكن هنا؟».
يأخذ سلطان صوراً فوتوغرافية من سطح المنزل. قبل أن يرشدنا محمد إلى قرية «المثيله» الأهم، والمعروفة بـ»السِكن» والجنون.

المثيله... القرية المرعبة!
«لا احد يجرؤ من السكان على الاقتراب من القرية. بعض الرسامين والمصورين، يأتون نهاراً كي يأخذوا شيئاً من الطبيعة، وصوراً لبيوت الطين. أنتم أول من يزورها في الليل»، يظن محمد، ربما كان من بين أولئك من يبحث عن الآثار.
تدخل «المثيله». قرية صغيرة، لكنها تصلح لتصوير فيلم، منازل مأهولة بالسكان تحيط بها من الجهة الغربية، لا تبعد سوى خطوات قليلة، بينما تحيط بها من الجهات الثلاث الأخرى أرض شاسعة وخلاء. عدد البيوت فيها لا يزيد على الـ20. يقترب محمد من هوة بدت تشبه الحفرة كثيراً. «هذا ما يسمى بالجليب أو الزليب»، يقول.
يشرح الشاب: «من هنا يأخذون الماء. لا أعرف ماذا يسمونها أهل الرياض، لكنني أظن أنها جليب». رائحة الجيف تقتل الداخل إلى هذه القرية، ولن تستغرق وقتاً طويلاً لتعرف ما نوع تلك الجيف. «هذه جيف حيوانات (خرفان وغيرها) يجلبها الحصني - أو الثعلب الصغير، ويأكلها على رواق هنا من دون أن يزعجه الإنسان»، بدا الشاب وهو يقول هذه الجمل مرشداً سياحياً.
لم يستهوه تمثيل هذا الدور - المرشد السياحي - كثيراً. عزم على الغداء وأصر كثيراً، لكن إصرارنا كان أقوى. كما أنه اقتنع، حين قلنا: «سنكمل عملنا، ثم نغادر، ربما نحظى بمقابلة أو صورة جني». هذه المرة لم يعر هذا الكلام اهتماماً، إذ إنه دخل بنفسه إلى القرى التي كان يظن أنها مليئة بالجن، لكنه علق مازحاً قبل أن يغادر: «لو رآكم كبار السن صباحاً، فلن يملوا التحقيق معكم عن سبب وجودكم في المثيله، كما أنهم لن يصدقوا أنكم تبحثون عن الجن، عليكم بالبحث عن سبب مقنع، فكلامهم سيكون مزعجاً أكثر من الجن أنفسهم».

اثنان في قرية مسكونة
«الطاقة في بطاريات فلاش الكاميرا، انتهت. لن نتمكن من التقاط الصور قبل الفجر»، يقول سلطان، قبل أن يستدرك: «أعتقد أننا نملك صوراً ليلية كافية؟». الساعة الآن تشير إلى الثالثة صباحاً. ساعة إضافية واحدة، تكفي كي نتأكد إن كانت القرية مسكونة بالجن أم لا.
القهوة والشاي والتمر، التي حملها سلطان معه من بيت والدته، كانت كفيلة بهذه الساعة. والقمر المكتمل يغنينا عن أي ضوء آخر. لم نشعر بغربة المكان كثيراً، لعل دخولنا إلى كل بيوت القرية الطينية، وتفقدنا غرفها، خففا من خوفنا، لكن قلق حدوث غير المتوقع، لا يزال قابعاً فينا. كما أن الكلام عن النخل الذي يتحرك، والأصوات الصادرة من البيوت الطينية لم تفارق ذاكرتنا.
كل دقيقة تمر، نشعر بالراحة، طالما أن شيئاً لم يحدث. بدا كل شيء كرحلة كسبنا فيها هواء الطبيعة، خصوصاً وأن العاصفة الرملية انجلت منذ ساعات، ولم يعد لها أثر سوى لون السماء.
الرابعة صباحاً. سلطان يقول: «سمعت حكايات عن عيون الخرج، يقال أن الجن يسكنها. طالما أنها ليست بعيدة من هنا، لمَ لا نجرب زيارتها». بدا أكثر رصانة في حديثه، لم يعد أمر وجود الجن يعنيه، مقدار حصوله على صورٍ أجمل. لعل تجربة قرية المثيله وبيوت اليمامة المهجورة، أكدت له أن تلك الحكايات والقصص، ليس لها مكان سوى في ذاكرتنا ومخيلتنا، على رغم كل الثقاة الذين رووها.
جمعنا متاعنا، وانطلقنا إلى «العيون»، علنا نقضي فيها وقتاً قبل شروق الشمس. مقتنعين أن أهل المثيله وسواها من البيوت الطينية، هجروها لأنها غير قابلة للسكن، وآيلة للسقوط.

كورنيش عيون الخرج... سكنه الحمام وهجره الزوار بسبب الجن
< شابان بديا وكأنهما استنفدا كل طرق التسلية والترفيه. ما إن سألناهما عن «العيون»، وعلما أننا نبحث عن الجن، حتى قررا مرافقتنا.
حين اقتربنا من مدخل منطقة عيون الخرج، أوقفا سيارتهما، وأنزل الراكب زجاج النافذة، «هذا هو المدخل، ستجدان عيناً على اليمين وعينين على الشمال». لكنني، سألت: «الم تقولا أنكما ستسمران معنا، وتشربان القهوة والشاي. هل غيرتما رأيكما؟». نظر كل منهما إلى الآخر، وقال المتحدث مرة أخرى: «لا أبداً، سنذهب معكما».
ربما هو الخوف نفسه، الذي شعرنا به حين دخلنا المزارع وقرى اليمامة و»المثيله»، وشعرا به. ولعل إصرارنا قادهما إلى ما لم يفعلانه طوال حياتهما.
المكان بدا مظلماً، على رغم ضوء القمر المكتمل. لعل الأرض التي بدت أقرب إلى الألوان الداكنة جداً، لعبت دوراً في ذلك. «لم نأت إلى هنا، في هذا الوقت - الرابعة والنصف صباحاً، قبل هذه المرة»، يقول الشابان بعدما افترشنا الأرض، وقرر سلطان أن يغط في نوم، مدة قصيرة داخل السيارة، فالتصوير ليلاً من دون «فلاش» لن يكون ذا قيمة.
حسن المطيري العنزي الذي يعمل في الحرس الوطني، وماجد محمد العنزي الطالب في كلية التقنية، بدآ في سرد القصص والحكايات التي يسمعانها في الخرج عن الجن الذين يسكنون «العيون»، قرية المثيله. يقول حسن: «النخل يتحرك في المثيله. لو كنت أسكن قريباً من القرية، لانتقلت منذ زمن. لا أعرف كيف يسكن الناس هناك...»، ويقول ماجد: «عمة صديقي تزوجها جني يسكن في العيون، ولو لم يخرجه الشيخ حمود العتيبي منها، لظل متزوجاً بها طوال حياتها».
حسن وماجد لم يملا سرد القصص على شخص لم يسمع عنها، كانا يؤكدان كل قصة: «الجن الذي يظهر ليلاً ويشير بيده... الأصوات التي تصدر ليلاً من العيون...». لعل القصص هنا في «العيون» تشبه تلك التي في «المثيله».
ثقل يوم عمل ودراسة هائلة دفعهما إلى الانسحاب في الخامسة والنصف. وحدي انطلقت أتفقد المكان، أبحث عن الكهوف التي تكلما عنها. أشاهد ضوء الشمس وهو يكشف المكان في خجل. ابتسامة بدأت تبدو على كورنيش عيون الخرج الثلاث بمجرد حضور الحمام المنظم. لا شاطئ هنا ليلامس القدمين. لكن الشعور بأن هذه المنطقة كانت مكاناً للسباحة بحسب ما روى الشابان، يمسح صورة المكان المهجور والجن الذين يسكنونه، ويرسم حياة قروية جميلة.
ربما كانت العيون تشعر بالوحدة، خصوصاً أن الزوار من أهل المنطقة هجروها، إلى حد ما، وسكنها الحمام، بحسب ما يقول حسن وماجد، وانحصر الزوار غير بعض السعوديين الذين يجيئون لالتقاط الصور والاستمتاع بطابع آخر من الحياة.
«عين ضلع» تقع في الشمال ملتقى شعيب العقيمي بشعيب العين. «عين سماحة» تقع شمال عين الضلع بانحراف الى الغرب. «عين المخيسة» تقع في جنوب غربي عين ضلع، على بعد 1220 متراً. السور الحديد يسيج العيون الثلاث، ويمنع القفز تحت طائلة المسؤولية. لكن الزوار، شقوا مدخلاً في كل سور. تدخل من شق السور الحديد حيث كتب على الصخور: الكويت، والقطيف، والقصيم، والطائف... مدن كثيرة وأسماء تدل إلى أناس مروا من هنا. عادة متفشية تشوه كل جميل.
هل من مجنون يقترب من هوة العين المخيفة؟ الخوف يزول، تدريجاً. لن تجد حجراً ترميه كي تكتشف العمق قبل النظر إليه، بالصوت. تنقذف كطفل كي تنظر إلى قاع العين. لن تجد جنياً بالطبع. كل ما تراه هو أتربة وصخور بدت رطبة على رغم غياب المياه.
ضوء السيارة عنصر سيغيب في هذه اللحظة. ومعه سيغيب يوم ممتع بدأ في المثيله والبيوت الشعبية وقرى اليمامة المسكونة بـ»الجن» الصغير، وانتهى بـ»العيون» ومنظرها الخلاب. سلطان يفيق للتو، كي يمارس مهنته وهوايته التي أحبها، في التقاط الصور، خصوصاً الحمام.

لون الخوف في القرية: النخلة تتحرك... الجني يصدر أصواتاً
< بيوتٌ طينية، بعضها مهدم، وبعضها آيل للسقوط في أي لحظة. سقوفٌ انهارت، وأخرى تقاوم. وأهلها لم ينسوا قطعة أثاث واحدة. الغبار الذي هاجم مدينة الرياض وضواحيها الإثنين 22 من شباط (فبراير)، ترك اللون الأصفر الميال إلى الحمرة في السماء. هذا اللون انعكس على جدران الطين ودخل من بعض شقوقها متكسراً، صانعاً إضاءة رعب طبيعية. «القرية» تشبه تلك التي في أفلام الرعب الهوليودية.
هل أنت خائف؟ عليك بالشهيق والزفير العميقين. هل تحتاج إلى ما يذهب عنك الخوف؟ إذا كنت ستحتاج إلى ذلك هناك، فهذا يعني أنك سترى جنياً. «النخلة تتحرك... الجني يصدر أصواتاً»، تتردد كثيراً في ذاكرتك.
لا تخف أبداً. «لا شيء من هذا الكلام حقيقياً. كلها مجرد أساطير وحكايات، يلقيها الآباء على أبنائهم، لسبب ما. ربما كي يمنعوهم الذهاب إلى المناطق المهجورة، خوفاً من مشرد أو مخمور...»، هكذا تُمني نفسك وتُبعد منها الخوف. لكن الزميل المصور، سلطان الفهد، يسأل: «هل يتلبس الجني الإنسان؟»، حتى لو حاولت إقناعه بغير ذلك، كيف ستُقنع نفسك؟ يسأل من جديد: «لكنني سمعت وصورت عائلة من الخرج، آذى الجن أفرادها كافة، لأنهم بنوا منزلهم فوق أرض يقال إنها مقبرة! ما تعليقك على هذا؟». يسمع منك جواباً غير منطقي، يجره إلى سؤال آخر. هو - سلطان - يُمني نفسه أن تكون أجوبتك حقيقة، مثلك تماماً، لكنه لا يلبث أن يسأل ويروي من جديد. سؤال يجر إلى آخر، وحكاية تقتل وقتاً يمضي ببطء، بل أبطأ من البطء ذاته. القلق يهدّك هدّاً.
فنجان قهوة، وراءه تمرة. تارة أخرى تفكر في الشاي. المهم أن ينقضي الوقت، فلون الخوف في كل مكان من القرية، حتى اكتمال القمر يحيل الذاكرة إلى دورة في ظهور الجن، و»النخلة تتحرك... الجني يصدر أصواتاً»، تتردد في ذهنك.

المصدر الرئيسي
http://www.gunfdh.com/vb/showthread.php?t=19878
شاركه على جوجل بلس

عن aaabc

    تعليقات بلوجر
    تعليقات فيسبوك

0 التعليقات:

إرسال تعليق